لم يكن الحديث عن الإنترنت لسنوات مضت بالكثافة التي هو عليها الآن. الكثيرون اعتقدوا أن الأمر لا يعدو كونه ثورة سريعة لن تلبث أن تخمد لتعود الحياة إلى مسارها الطبيعي العادي المعتمد على الورقة والقلم.
وكما يقول عبد القادر استيتو: "تمر السنوات و تخيب توقعات هؤلاء، في حين تصيب توقعات الخبراء والمهتمين الذين كانوا يؤمنون بأن المستقبل سيكون معلوماتيا محضا.
أشياء كثيرة قيلت و كتبت عن الإنترنت، و شيئا فشيئا تحول التوجس إلى فضول، ثم إلى اكتشاف فإقبال كبير من مختلف الشرائح المجتمعية".
ومع انتشار الإنترنت المريع ظهرت مكملات ومتممات جانبية تلتصق بهذا الانتشار ومنها ما يسمى بمقاهي الإنترنت التي استمالت إليها طائفة كبيرة من الناس غالبيتهم العظمى من الشباب الذين انجذبوا إلى ذلك الفضاء الفسيح وذلك الوافد الجديد بكل قوة حتى أصبح ارتياد الشباب لها ظاهرة جديدة تستحق البحث والتحليل والعلاج؛ إن كان ثم ما يحتاج إلى علاج. من هنا كانت البداية
انطلقت أول سلسلة في العالم من هذه المقاهي في عام 1995م في المملكة المتحدة، ثم انتشرت في كثير من الدول العربية منذ سنوات قليلة، وكان دافع أرباب المقاهي من وراء افتتاحها تحقيق هامش ربحي من خلال المزاوجة بين خدمتين، خدمة المقاهي التقليدية وخدمة الإيجار في شبكة الإنترنت، في المقابل وجد فيها الشباب تسلية جديدة تختلف عن المقاهي التقليدية!!
ومقاهي الإنترنت بحد ذاتها ليست ظاهرة سيئة لو استغلت الاستغلال الأمثل، لكن الخطير في الأمر أن تصبح هذه المقاهي أوكاراً للاستخدام السيئ من قبل بعض الزبائن، وذلك من خلال الدردشة لأجل الدردشة فقط، والنفاذ إلى المواقع الجنسية بعيدا عن الرقابة الأسرية. إحصائيات مرعبة
وقد دلت الإحصائيات أن معظم مرتادي هذه المقاهي هم من الشباب، فقد أثبتت إحصائية وزعتها مجلة خليجية على عدد من مقاهي الإنترنت أن 80% من مرتادي هذه المقاهي أعمارهم أقل من 30 سنة، فيما قالت إحصائية أخرى أن 90% من رواد مقاهي الإنترنت في سن خطرة وحرجة جداً.
وهذه نتيجة خطيرة، فكون معظم مرتادي المقاهي من الشباب ومن فئة عمرية خطرة تحديدا، وأن معظمهم يرتاد هذه المقاهي للدردشة، فإن الظاهرة هنا تصبح خطرة تستدعي إيجاد بدائل يمكن للشباب أن يقضوا أوقات فراغهم فيها، بدلا من إضاعة المال والوقت والأخلاق بما لا ينفع !!.
المقاهي لماذ؟
كان اندفاع الشباب نحو تلك المقاهي لأسباب مختلفة يأتي على رأسها الفراغ الممتد في يوم الشباب والفرار من الأعمال الجادة، خصوصا مع ارتفاع معدل البطالة في كثير من دولنا العربية والإسلامية، فيبحث الشاب عن مكان يقطع فيه فراغه. ثم بعد ذلك أسباب أخرى منها:
أولا: عدم إمكانية شراء جهاز كمبيوتر لغلائه ونظرا للحالة الاقتصادية عند بعض الشباب فاستعاضوا عن ذلك بساعات يقضونها في المقاهي.
ثانيا: صعوبة الوصول إلى النت عند البعض، خصوصا أن هذه الوسائل لم تعمم في جميع البلدان ووجودها يقتصر في بعض الدول على المدن دون القرى، لكن عموما هذه الخدمة بدأت تنتشر وتتوفر وإن كان بنسب متفاوته خاصة في المجتمع العربي وتشير إحصائية تم رصدها عام 2004 إلى أن نسب المستخدمين للنت بين عام 1990 وعام 2002 بلغت في البحرين 245 من كل ألف شخص، و105.8 من كل ألف شخص في الكويت، و113.2 في قطر، و313.2 في الإمارات العربية المتحدة، و70.9 في عُمان، و64.6 في السعودية، و117.1 في لبنان، و57.7 في الأردن، و51.7 في تونس، و30.4 في فلسطين، و12.9 في سورية، و16 في الجزائر، و28.2 في مصر، و23.6 في المغرب، و2.6 من أصل ألف شخص في السودان. ولا شك أن هذه الأعداد زادت عامي 2003، 2004.
ثالثا: البحث عن الخصوصية: فبعض الشباب ربما لديهم أجهزة في بيوتهم لكنهم يفتقدون خصوصية البحث عما يريدون، لاسيما إذا كانت البيوت محافظة وهم يبحثون عن المحادثات أو المواقع الإباحية وهي نسبة كبيرة من الشباب. وأكثر المقاهي تجدها مهيئة لذلك من جو شاعري وأضواء خافتة وتجهيز المكان بحيث لا يطلع أحد على الجالس ولا يدري أحد ماذا يفعل.. ويكفي أن نعلم أن المقهى الذي لا يوفر مثل تلك الخصوصية يتدنى دخله بصورة كبيرة جدا مقارنة بالمقاهي التي توفرها.
رابعا: وجود الفني القادر على كسر كثير من برامج حجب المواقع الممنوعة(البروكسي)، وكثير من الشباب لا يرى غضاضة في أن يستدعي عامل المقهى ويطلب منه الدخول على مواقع معينة وهو يدفع للمقهى وهذا ما يريده كثير من هؤلاء المستثمرين على حساب الأمة ودينها وشبابها. فالمبدأ عند هؤلاء التجار " ادفع واطّلع على ما تريد".
خامسا: الاستئناس بالأصدقاء والبعد عن جو المنزل وذلك من خلال الخدمات الجانبية التي يقدمها المقهى وإمكانية مواعدة الأصدقاء فيها ليكون لقاء بالأصدقاء وإبحارا في النت في نفس الوقت.
سادسا: يعلم كثير من المستخدمين لشبكة الإنترنت أن بوسع غيرهم أن يتعرف عليهم فيما لو استخدموا أجهزتهم الشخصية، ولذا فراراً من انكشاف أفعالهم المخزية يلجئون إلى هذه المقاهي لتقيد جرائمهم ضد مجهول، ويظهر هذا جليا مع البنات ذوات العلاقات أو الباحثات عن اللذة ومواقع الجنس.
ومن الأسباب أيضا: إهمال الأباء وضعف مراقبة الأسر لأبنائها وهذه عليها معول كبير.
هذه كانت أشهر الأسباب في نظري، ولا شك أن هناك أسبابا أخرى تختلف باختلاف الأشخاص ومقاصدهم .
ماذا يفعلون؟
كان السؤال الذي يطرح نفسه لبيان وضع تلك المقاهي ومدى منفعنها أو ضررها هو معرفة ماهية المواقع التي يتصفحها مرتادوا المقاهي؟.
في استبانة أجرتها إحدى المجلات السعودية عن نوعية المواقع التي يدخلها الشباب في المقاهي كانت النتيجة أن 60 % يقضون أوقاتهم في مواقع المحادثة، و20% من المستخدمين للمواقع الثقافية، و12% للمواقع الطبية والحاسوبية والتجارية، و8 % للمواقع السياسية.
وقد أجمع أصحاب تلك المقاهي أن أكثر ما يبحث عنه الشباب خصوصا والرواد عموما هو التشات (المحادثة) والجنس..
يقول محمد خضير صاحب مقهى في القاهرة: "إن الشباب المصري يُقبل بشكل أساسي على مواقع المحادثة المختلفة (تشات)، يليها مواقع البريد الإلكتروني، ثم مواقع محركات البحث، خاصة غوغل وياهو!! أما الأجانب فغالبا ما يركّزون استخدامهم على مواقع البريد الإلكتروني".
أما محمد الشاوني، 21 سنة، طالب فيقول: "بصراحة أحضر هنا للدردشة، إنها أمر مسلٍ، و باعتباري أجيد اللغة الإسبانية فأنا أحب أن أحاور الإسبان".
ويقول عبد الفتاح، 23 سنة، أحضر هنا للدردشة بالدرجة الأولى، أحاول أن أفعل أشياء أخرى لكن مشكلة اللغة تقف حاجزًا أمامي لأن المواقع التي أريدها هي بلغة أجنبية".
وتبدي هبة حداد وهي طالبة تجارة اشمئزازها مما تراه خلال ترددها إلى مقاهي الإنترنت وتقول: "لا أعرف لماذا يحب بعض الشباب الاطلاع هذه الصور الإباحية الصارخة".
وتقول سامية محمد (22 سنة): "شبكة الإنترنت فتحت لي آفاق المعرفة وأبواب الحرية على مصراعيها، وأكملت جوانب أفتقدها في الواقع، لكنها في المقابل وضعتني في اختبار مستمر أمام نفسي.. في بعض الأحيان أدخل إلى الإنترنت بعد منتصف الليل ويكون جميع أفراد أسرتي نائمين، أذهب إلى غرف المحادثة للتعرّف على أصدقاء جدد لهم نفس اهتماماتي.
أما صلاح (20 سنة) فيقول: "لقد فعلت كل شيء عبر الإنترنت، وكنت أعتقد أنني بذلك نلت كل حريتي، لكنني سرعان ما اكتشفت أنني مخطئ".
لا رقابة:
في حديث مع بعض أصحاب المقاهي حول جدية الرقابة وحجب المواقع المثيرة كانت الإجابة بما معناه القانون هنا " ادفع واطّلع على ما تريد". وقال صاحب إحدى المقاهي: "لم أتدخل يوماً في ماهية ما يقرأه المتصفح، ولا عوازل أو رقابة أفرضها على أي موقع". ويقول مؤيدا مبدأه عمليا: "رأيت شباناً يطلعون على مواقع إباحية وغيرها، لكن لا يمكن منع الزبون من رؤية ما يجذبه، ليست مهمتي هنا تربيته!"
أما المستشار القانوني لجمعية محترفي الإنترنت وليد ناصر فيقول: "لا أعلم ما إذا كانت الأجهزة الأمنية تفرض رقابة دائمة على الإنترنت، وأنا أشك في ذلك؛ لأن أمراً مماثلاً يحتاج إلى جهاز رقابة دائمة يرصد ما يضاف وما يحذف، وهو أمر معقّد".
ويقول سفيان وهو مستثمر لمقهى إنترنت إن حجم الرقابة التي يمكن أن تفرض على مرتادي الإنترنت تتفاوت حسب قدرات المستخدم التقنية، فالمبتدئ يُسيطَر عليه بنسبة 100%، أما المحترف فحجم السيطرة عليه لا تتجاوز30% كونه يمتلك طرقا لاختراق الرقابة، تتمثل بما يسمى بـ"البروكسي"، والذي يمكن أن يتطوّر بتطور أجهزة الرقابة وبحسب الحاجة، ويمكن كسر الحظر بالدخول عن طريق مواقع أخرى، أو بتغيير شيفرة الموقع، فتكتب الشيفرة بدلا من الأحرف التي تكون اسم الموقع، وتمر عملية الاتصال".
نتائج ومخاطر
والخلاصة أنه يكاد يكون من المستحيل وجود رقابة صارمة لحفظ أبنائنا مع وجود محاولات جدية من بعض الدول، وانفتاح صارخ من بعضها الآخر مما ينتج عنه مخاطر جمة ..أهمها :
1) انهيار المجتمع بانهيار فئة الشباب فيه.
2) تضييع أوقات الشباب في غير منفعة عند الغالبية.
3) الإصابة بالأمراض النفسية.
4) الغرق في أوحال الدعارة والفساد .
5) التعرف على أساليب الإرهاب والتخريب .
6) التعرض لدعوات التنصير والتهويد والمذاهب الهدامة .
7) التجسس على الأسرار الشخصية.
8) إنهيار الحياة الزوجية.
9) التغرير ببعض الفتيات ووقوعهن فريسة للاهين اللاعبين.
خاتمة لابد منها :
لا يستطيع أحد أن يجحد الفوائد التي يمكن أن يجتنيها البعض من خلال تلك المقاهي، كالبحث العلمي ، وإرسال رسائل بريد إلكتروني سريعة، والاطلاع على الكتب الحديثة والمكتبات العالمية الضخمة، والبحوث العلمية الحديثة.. و.. ولكن لما كان جل الاستخدام في غير ذلك كان إثمها أكبر من نفعها .. والإنترنت ومقاهيه ـ كما الأدوات الإعلامية الأخرى – سلاح ذو حدين، يمكن أن يكون مفيدا جدا إذا عرفنا كيف نستغله أحسن استغلال، و هو في نفس الوقت أداة تخريب للنفوس والأرواح عن طريق المواقع التافهة و الجنسية التي لا تجدي فتيلا ، وبشيء من المراقبة، وبشيء من التوجيه والإرشاد و التوضيح، يمكن أن نستفيد من هذه الآلة ونحفظ أبناءنا من شرورها والله خير حافظا وهو أرحم الراحمين.
[/size]