| خيوط شمس الغروب تخط حروفها على وجوه الأطفال لترسم ملامح بقايا بسمة سلبها الاحتلال كما سلب بيوتهم.. لا طقوس رمضانية خاصة هذا العام.. لا إفطار داخل البيت.. فإنه لا يهم عائلتا حنون والغاوي أصناف الطعام، ولا مذاقه.. وإنما مكان تناول طعام الإفطار خلال أيام الشهر الفضيل هذا العام. على رصيف الشارع المقابل لمنازلهما، التي طردهما منها الاحتلال الإسرائيلي الشهر الماضي في حي الشيخ جراح بمدينة القدس، افترش أفراد عائلتي حنون والغاوي الأرض ليتناولوا طعام الإفطار، ليكون بذلك أول إفطار لهما خارج بيوتهما منذ ما يزيد عن 50 عاما.
الساعة تشير إلى موعد اقتراب أذان المغرب، بينما ينشغل ماهر حنون "أبو رامي" في ترتيب حافة رصيف الشارع؛ حيث أصبحت تقيم عائلته، قائلا "رمضان هذا العام على الرصيف.. كما هي أصبحت حياتنا كلها". تنسدل دمعة على خده، ويضيف "حرمنا الحياة.. وحرمنا لذة الصيام هذا العام، أين مظاهر رمضان، هل نعلق فانوسا على الرصيف.. أم نعد حلويات الأرض.. إنه أول رمضان يمر علينا خارج البيت منذ ما يزيد عن 50 عاما". وطردت قوات الاحتلال الشهر الماضي عائلتي حنون والغاوي المكونتين من نحو 70 شخصا ثلثهم من الأطفال والنساء من منازلهما التسعة الموجودة بحي الشيخ جراح الذي يعد من أهم أحياء القدس الشرقية التي احتلتها إسرائيل عام 1967. ومنذ ذلك اليوم يقيم أفراد العائلتين على رصيف الشارع المقابل لمنازلهما، في محاولة منهم لإبراز حجم المعاناة التي تعرضتا لها بعد سلب المنازل منهم وإسكان مجموعات من المستوطنين فيها. بسمة الأطفال.. مسلوبة أربعة وعشرون طفلا، هم مجمل الأطفال في عائلتي حنون والغاوي، أصبحوا كما عائلتهم يعيشون على حافة الرصيف.. "هذا العام لم يشعروا بقدوم رمضان كما هو الحال في كل عام"، يقول أبو رامي. ويضيف "في كل عام كان أطفالي يذهبون لشراء فانوس رمضان، وليلة الإعلان عن الصيام.. يتبادلون اللعب فيها مع أبناء الحي والجيران.. تسمع ضحكاتهم في كل مكان، أما هذا العام فلم يعلموا بقدوم رمضان ولم يستعدوا له، فنحن في الشارع لا في البيت". لا أواني.. لا ماء ناصر الغاوي" أبو أيمن"، يشاطر هو الآخر عائلته هموم رصيف الشارع، فيقول: "تخيل نفسك وأفراد عائلة مكونة من 38 شخصا بينهم 18 طفلا، يعيشون على رصيف الشارع دون أن يملكون أواني مطبخ". ويتابع "فقدنا بيوتنا، وفقدنا معها كل ما فيها من مستلزمات للطعام أو الشراب.. ونحن اليوم نعتمد على الوجبات الجاهزة". يضيف "أبو أيمن": "كل شيء بتنا نعتمد عليه يستخدم لمرة واحدة.. أواني الطعام كلها، من أطباق وملاعق مصنوعة من البلاستيك، فلا مجال لاستخدام أوان يمكن تنظيفها، فلا ماء ولا مكان يتيح لنا ذلك". ويتابع: "هذا العام رمضان جاء وسط شعور غريب، لا أستطيع أن أصفه.. لا فرحة على الوجوه، ولا شعور بروحانية الشهر الكريم.. والعقل والتفكير مرتبط دائما إلى متى سنظل على هذه الحالة؟" تكاتف الأهالي ورغم ما تعانيه العائلتان بعد طردهما من بيوتهما، إلا أن أهالي حي الشيخ جراح يرسمون لوحة من التكافل والتكاتف في عدم ترك عائلتي حنون والغاوي تواجهان مصاعب الحياة وحدهما. فبكلمات ملأها بالمديح والتكريم، يشكر أبو أيمن الغاوي وأبو رامي حنون أهالي الحي، الذين لم يبخلوا عليهم منذ أول يوم طردوا فيه من بيوتهم، يقول أبو رامي: "إفطار أول يوم في رمضان أعده لنا جارنا أبو عرب". ويضيف "أهالي الحي لا يبخلون علينا بشيء.. يعدون لنا القهوة والشاي، والطعام.. الجميع هنا يؤازرنا، ويحاول أن يخفف من معاناتنا". وترفض عائلتا حنون والغاوي استلام خيام من اللجنة الدولية للصليب الأحمر للعيش فيها، معتبرين أن قبول ذلك يعني الرضوخ لكوننا عائلتين لاجئتين، يوضح أبو رامي: "قبولنا بالخيام يسقط حقنا في المطالبة ببيوتنا.. وهذه بيوتنا ورثناها عن أجدادنا منذ القدم". وحكمت المحكمة العليا الإسرائيلية مطلع هذا الشهر بتثبيت قرار طرد عائلتي حنون والغاوي من منازلهما، ومنح أحقية الإقامة لعائلات المستوطنين في بيوتهم، وهو ما ترفضه العائلتان لكونهما تحملان وثائق تعود للعهد العثماني، وتؤكدان أنهما أصحاب هذه البيوت. | 
رساله
