حوار مع النفس عضو فعال جدا
عدد الرسائل : 505 العمر : 42 رساله : do3a2 : عرفت المنتدى ازاى؟ : لا اله الا الله : احترامك لقوانين المنتدى : نقاط : 765 السٌّمعَة : 0 تاريخ التسجيل : 11/06/2009
| موضوع: مفهوم التوكل والخوف من المستقبل الثلاثاء أغسطس 04, 2009 6:48 pm | |
| يخاف الإنسان في أحيان كثيرة ما يخبىء له القدر، فتراه يخاف المستقبل ويخشاه، لأنه يراه لغزاً، وعنصراً لا يضمن له حياته الرغيدة الهانئة.. هذا الخوف من المستقبل ينبع من مفهوم عدم الثقة بتلك القدرة الغيبية التي تستطيع أن تغيّر الأحداث، وتمحو المستقبل لتستبدله بواقع جديد.. تلك هي قدرة الله سبحانه وتعالى.. إنَّ المفهوم القرآني لطبيعة الحياة الإنسانية، يستند على حقيقة في غاية الوضوح، وهي أنَّ الذي يتقي الله سبحانه، ويدين له بالعبودية والطاعة، فإنَّ الخالق عزَّ وجلّ سوف يفتح له آفاقاً رائعة في مستقبل حياته، ويجعل له أبواباً من الرزق لم يكن ليحسبها يوماً في حياته، ومن يتوكل على الله، فإنَّ الله سيكفيه مؤنة الحياة، ويرزقه بما يجعل حياته نعيماً وهدوءاً وسكينة.. وفي هذا المعنى يقول القرآن الكريم: (... وأقيموا الشهادةَ لله ذلكم يوعظُ به من كان يؤمنُ بالله واليوم الآخر، ومن يتَّق الله يجعل لهُ مخرجاً* ويرزقه من حيثُ لا يحتسب ومن يتوكل على الله فهو حسبه إنَّ اللهَ بالغُ أمرِهِ قد جعلَ اللهُ لكُلِّ شيءٍ قدراً) (الطلاق/ 2-3). والمعنى أنَّ الله سبحانه وتعالى سوف يكفي من يتو?ّل عليه، لا على غيره، وأنَّ الله بالغٌ أمره، يبلغ حيثَ أراد، وهو القائل: (إنَّما أمره إذا أراد شيئاً أن يقول له كن فيكون) (يس/ 82). (قد جعل الله لكل شيء قدراً) (الطلاق/ 3)، فما من شيء إلا له قدر مقدور، وحد محدود، والله سبحانه لا يحدّه حد ولا يحيط به شيء، وهو المحيط بكل شيء.. فالحاضر والمستقبل المشرق للإنسان المؤمن، محرَز عند الله سبحانه.. ويؤكد القرآن الكريم على أنَّ الخالق عزَّ وجلّ يملك غيب السماوات والأرض، وأن ما من شيء في السماوات والأرض إلا راجعُ إليه، وإن ما من أمرٍ في أرجاء الكون الواسع إلا رادٌ إليه، ولذلك فهو جدير بالعبادة، وجدير بالإعتماد والتوكُّل عليه.. يقول تعالى: (ولله غيبُ السماوات والأرضِ وإليهِ يُرجَعُ الأمرُ كُلُّهُ فاعبده وتوكَّل عليه وما ربك بغافلٍ عمَّا تعملون) (هود/ 123). ويبلوّر القرآن الكريم مفهوماً رائعاً، في وقت يتلوى المسلمون فيه من آثار المعاناة والتشريد والهجرة والحروب مع المشركين.. هذا المفهوم الرائع هو أنَّ الإساءة التي تصيب العدو يجب أن لا تسر الإنسان المؤمن.. لأنَّ الولاية والأمر بيد الله سبحانه، وليس للإنسان من الأمر شيء، ولذلك يقول تعالى: (ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها أنَّ ذلك على الله يسير. لكيلا تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بما آتاكم) (الحديد/ 23). (ما أصاب من مصيبة إلا بإذن الله ومن يؤمن بالله يهد قلبه) (التغابن/ 11). وكان شعور المنافقين أن أي غنيمة يغنمها المسلمون تسوء المنافقين، وأن القتل والجرح الذي يصيب المسلمين يفرحهم، فيقولوا: لقد احترزنا على الشر، وأمنَّا القتل والأذى.. يقول القرآن الكريم في هذا المعنى: (إن تصبك حسنة تسوؤهم وإن تصبك سيئة يقولوا قد أخذنا أمرنا من قبل ويتولوا وهم فرحون* قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا هو مولانا وعلى الله فيتوكل المؤمنون) (التوبة/ 50-51). والمعنى أنَّ حقيقة الأمر لله وحده، فهو الذي كتب حتمية ما يصيبنا من خير أو شر، وإذا كان الأمر كذلك فعلينا امتثال أمره.. وإذا كان الأمر لله وحده فعلينا أن نتوكل عليه ونرجع الأمر إليه.. فهو القادر على تثبيت الأمور، وهو الناصر وهو الولي، وعليه فليتوكل المؤمنون.. إنَّ القلق النفسي والاضطراب الروحي الذي تعيشه البشرية "المتحضرة" اليوم، إنَّما مردُّه ضعف العامل الإيماني في نفس الإنسان، فالإنسان المؤمن يتوكل على الله سبحانه في أعماله، وفي حركاته، فتطمئنُّ روحه وتتثبت سرائره، ويترسخ الاستقرار في شخصيته ونفسه، لأنه يؤمن أنَّ عليه أن يسعى ويجدّ، وما وراء ذلك فهو على الله سبحانه (وإليه يرجع الأمر كُلُّه).. فالتوكل على الله سبحانه أفضل وسيلة لمعالجة الأمراض بيد الله سبحانه وتعالى: (نحن قدرنا بينكم الموت وما نحن بمسبوقين) (الواقعة/ 60)، وإنَّ الرزق بيده عزَّ وجلّ: (الله الذي خلقكم ثم رزقكم ثم يميتكم ثم يحييكم) (الروم/ 4). وإنَّ النفع والضرّ بيد الله سبحانه: (قل لا أملك لنفسي نفعاً ولا ضرّاً) (الأعراف/ 188)، فلِمَ لا يتوكل الإنسان على الله سبحانه، والله بيده كل هذه الأمور، وما الذي بقى بيد الآخرين، إذا كان الموت والحياة والرزق والنفع والضرّ بيده سبحانه؟.. إذن فالتوكل على الله سبحانه ضمان أكيد على سكينة النفس واطمئنانها لخطوط المستقبل الآتية بلا ريب..
| |
|