ما هي علاقة الغيرة بالحب!؟ وما الفرق بين الغيرة والشك!؟ بعضنا يؤكد أن الغيرة تحيي الحب.. وبعض آخر يؤكد أنها(نار).. ربما تأكل صاحبها أو تلتهم الحب ذاته!!. الأقوال متناقضة ومتباينة, لكنها تصب في قناة واحدة, هي قناة(الحب).. فلا توجد الغيرة إلا مع جب, بصرف النظر عما يختلط في أذهان البعض, في المجالات العملية من دمج(الغيرة) بالتنافس, أو الحقد أو الحسد في مجالات العمل!! إننا هنا نتحدث ـ تحديدا ـ عن غيرة المحبين.. وعن شئ آخر, هو الشك.
إن الغيرة خوف غريزي ««علي»» الحب, فلأن الحب, قيمة كبري, تحتشد فيها السعادة ممزوجة ببعض العذاب, فإن الخوف ««علي»» ضياع هذه القيمة يهز الإنسان بعنف. ولا يتأتي عنف الغيرة إلا من قوة الشعور بالحب. فالذين لا يحبون لا يغارون ««علي»» شخص لايحبونه, لأنه لا يمثل لهم أية أهمية. إنما يغار الذين يقبضون بأنامل القلوب ««علي»» أطراف في نشوة سكري.. يفزعهم طامع فيمن يحبون.. أو طير جارح يحوم حول ملاك العين والروح والقلب!!
إن المدهش في الغيرة أنها لا تستند إلا ««علي»» قاعدة واحدة هي الخوف ««علي»» الحب أن يضيع.. أو يضعف.. أو يتحول. لكن الأكثر إدهاشا أن المحبين في الغيرة لا يختلف أي منهم عن الآخر مهما اختلفت الظروف. فسمو الأميرة المحبة مثلا, تغار ««علي»» حبيبها الأمير من الخادمة!! وملكة الجمال تغار ««علي»» حبيبها من أقبح البنات شكلا!!
أريد أن أقول إن الغيرة, لا علاقة لها بالثقة!! والذين يستخدمون كلمة(الثقة) تبريرا لانعدام الغيرة, يضحكون ««علي»» أنفسهم قبل أن يضحكوا ««علي»» من يحبون!!. إن حبهم واهن.. ضعيف.. أو غير موجود!! إنهم أحيان غير مبالين بأن يذهب الحبيب أو لا يذهب.. لا شئ يهم.. فقد حدث الإشباع العاطفي المطلوب.. أو ضعف الطالب والمطلوب!! أي أن الغيرة ليست علامة ««علي»» عدم الثقة. بل ربما تكون تأكيدا صارخا للثقة!! ملكة جمال مثلا.. تغار ««علي»» حبيبها.. ليس لأنها لا تثق بنفسها.. وليس لأنها لا تثق بحبيبها.. بل لأنها تثق بأن حبيبها أهل بأن تحبه كل النساء!! هنا تكون الثقة في(قدرات) وجاذبية الحبيب, هي المحرك الأساسي للغيرة. وهي تدرك أن جمالها وبهاءها وما فيها من عناصر الجذب الأنثوي مهما كان قويا, لا شأن له بجاذبية الحبيب للنساء. وهنا لا دخل لحبيبها ولا لها بالأمر. ويصبح كل همها إزالة كل فرص اللقاء بينه وبين امرأة أخري.., إما بتتبعه مثل ظله, لتكون رقيبا ««عليه..»» وإما بالتنصت ««عليه»» أو بالفحص الأنثوي المعروف لكل أحواله. والواقع أن الحبيبة أيا كان وضعها الاجتماعي, زوجة أو صديقة, لا حيلة لها فيما تشعر.. كلا ولا الزوج أو الحبيب, هو الآخر لا حيلة له في اشتعال نيران الغيرة. إذ, ماذا يفعل في جاذبيته الطبيعية غير المصطنعة!
إن هذا النوع من الغيرة, كثيرا ما ينعكس بالسلب ««علي»» الحياة بين الطرفين. وسواء كان ذلك هو الرجل أو الأنثي. ولسوف نفترض ـ مؤقتا ـ أن كليهما متساو في الشعور بالغيرة, حتي تدرك أن هذا النوع من الغيرة, الذي لاخطأ فيه يمكن أن ينسب لأي من الطرفين, لكن أن تأكل نيرانه, قلب الشخص الغيور.. وأن تصيب الغيرة, الطرف الآخر بالملل واليأس والاحباط, لأنه يدرك أنه بعيد تماما عن الخطأ, لأنه لم يفعل شيئا يعاقب ««عليه»» بلوم أو بعتاب. فهو لو أطال الحديث.. أوأطال النظر, أو كرر السوأل, لا يمكن أن يتهم ««علي»» الفور بالشروع في التحول, إنما يجب ««علي»» الطرف الغيور أن يكون مدركا تمام الإدراك لمدي الحب الأصيل بينهما, ومدركا أن مثل هذه التصرفات هي بطبيعتها إما طارئة وإما أن الظروف أملتها وفرضتها دون أن يكون لها مدلولات أخري.
وفي ظني أن(التغاضي) المحسوب عن الغيرة, أفضل كثيرا من الغلو فيها!! ذلك أن الالحاح المتواصل ««علي»» ترديد نغمات الغيرة دون مبرر واقعي, يولدها بالفعل بل وربما يدفع الطرف المتهم إلي ارتكاب الجريمة, لأنه متهم سواء أجرم أو لم يجرم!! لذلك, فإن التسامح والتغاضي أمران مهمان في(تلطيف) حرارة الجو ما لم يصل الأمر, إلي نقطة(الشك) وهي نقطة الإحالة إلي سلطة الاتهام!!
وإذا كنا قد قلنا إن الغيرة(خوف) ««علي»» المحيوب من أن يضيع.. فإن الشك(اتهام) للمحبوب!! ولا يتولد الشك إلا من دلائل أو قرائن: غياب أو خلف لمواعيد, عطر نسائي غريب, نسيان لأشياء متعلقة بالجبيب, برود تستشعره النساء بحساسية فائقة, مكالمات هامة بالتليفون, تأنق غير معتاد.. أشياء ومظاهر كثيرا, تشي بأنه ثمة شئ آخر يلوح في الأفق, لكنه لم يصل بعد إلي حد اليقين!! وإذا كنا نقول إن الغيرة خوف ««علي»» المحبوب فان الشك بطبعه يشمل المحبوب وغير المحبوب. لأنه اتهام بالخروج عن الطريق المرسوم.
ولأن الأنثي هي الأكثر عطاء... وهي الأكثر وفاء.. وهي الأكثر تضحية فان الغيرة عندها شديدة الوطأة ««علي»» أعصابها!! هي تعرف أن ضياع الحبيب ضياع لأمل علمها السهد والأرق والتعب, فأصبح يحمل أمل الحياة كلها. وحين يساورها الخوف, فإنها تدرك ان(حياتها) كلها يتهددها الضياع. فليس من السهل ««عليها»» ان تستبدل حبيبا بحبيب وليس من المتيسر لها أن تنسي حبيبا بأي شيء آخر. في حين انها تدرك ان ذلك كله سهل ميسور للرجل. أي أن غيرة المرأة اشد عنفا من غيرة الرجل. والزوجة مثلا تشعر بالقهر والعذاب وأن لا مخرج ـ في يديها ـ من عذاب الغيرة أو الشك. لكن الرجل يشعر ـ مهما آلمته الغيرة ـ أن المخارج من نيرانها متعددة!! كل الطرق أمامه مفتوحة للتخفيف أو لوأد الغيرة!! الابتعاد.. الطلاق.. الزواج مرة أخري.. إلي آخر ما في يد الرجل من وسائل تضميد الجراح.. حين تعدم المرأة كل الوسائل للخروج المشرف من تحت الغيرة والشك!
إن المرأة هنا تعيش محنتين مزدوجتين. محنة انهيار الأمل الذي تمحورت حياتها حوله, ومحنة العجز أو الاستحالة أو حتي الصعوبة, في التغلب ««علي»» نيران الغيرة او الشك. لذلك نري ان عذاب المرأة مابعده عذاب.. وإن عذابها هو بقدر حبها وبقدر آمالها.. وأن تحطم الأمل أمام عينيها انهيار مروع للحياة!! ان محنة المرأة في اخلاصها الشديد للحياة مع من تحبه وحين تجد(عقابا) ««علي»» هذا الاخلاص, فان اشياء كثيرة في داخلها تتعرض للانكسار.. وربما للانهيار.. إن المرأة ـ بطبيعتها ـ محور الحنان في الحياة بأسرها. ولا يتعلم الرجل منذ طفولته, ألف باء الحنان إلا من المرأة. وليس غريبا أن تقرر الشريعة الاسلامية, أن الجنة تحت اقدام الأمهات. فالمرأة ـ حتي ولو لم تكن أما ـ مؤهلة بطبيعتها لضخ الحنان في شرايين الابناء. ولندع بعيدا تلك النماذج التي تشذ عن هذه القاعدة الانسانية التاريخية.. ولندع بعيدا ايضا, ظاهرة(أكياس البلاستيك) التي يتغني بها الرجال.. لأني أومن ايمانا مطلقا ان الرجل ما تدمر في أكياس البلاستيك إلا بأفعاله هو وحده!!
ولما يتشدق الرجل بالسلطة!؟ يأخذ منها ما يحلو له ويدع منها مالا يروق له!!
إن قيادة الرجل للمرأة مؤسسة تأسيسا قطعيا ««علي»» ما يقدمه للمرأة, من إنفاق ومن حسن معاملة. وإذا كان الرجل سيد, فإن له مايريد!! بشرط ان تمتد سيادته الي كل شيء ان يكون سيداا في الحب!! نموذجا في العطاء قدوة في الأخذ بيد زوجته أن يمنحها ما تحبه وان يحب ما تحبه. أن يجلس معها وأن يستخرج منها بكل رضاء, عبارة(ياسيدي امرك!!) ان السيد الحقيقي لا يأخذ ولكنه يعطي!! خادم القوم سيدهم!! وكيف يطلب الرجل من المرأة حنانا لا يذيقه لها! ؟ كيف يطلب منها اهتماما لا يوجهه لها! ؟ لماذا لا يعيش معها آمالها وعواطفها حتي تشعر بأنه معها! ؟ لماذا لا يشاركها رومانسيتها فيشعرها بأنه ليس غريبا عنها, فتعطيه أضعاف ما يعطيها! ؟ لماذا يسخر(السيد) ويهزأ بالمرأة حين تتحدث عن الحب والرومانسية, فيصنع بذلك حاجزا بينه وبينها! الملك العادل يستجيب لمطالب الشعب!! والرجل العادل يستجيب لتطلعات المرأة!! فاقد الشيء لا يعطيه.. لأنك ان أفقدت المرأة استمتاعها الطبيعي بالحب والرومانسية فلن تجد عندها شيئا تعطيه! ؟
وحين يكون رد الفعل الطبيعي للمرأة هو الانطواء والانكسار.. يكون رد الفعل(السيادي) هو الشك!! فهو يبرر ابتعادها عنه بالشك.. ويبرر نفورها منه بالانحراف عنه.. مع انه لا يدري انه لم يعد رجلا بمفهوم الرجولة الحقيقي!! ان شك الازواج في زوجاتهم يرجع في جزء كبير منه إلي أنه زرع فيها السلبية, والإحساس بعدم جدوي الحب والرومانسية, لأنهما ـ كما يقول ـ مجرد(كلام فارغ)!! وهو لجهله المطبق ولانكفائه ««علي»» ذاته وملذاته, لايدرك ان ما يسميه(كلاما فارغا) هو قطب الرحي في حياة المرأة, وهو بئر الحنان والحب والاهتمام.
إن غيرة المرأة ««علي»» الرجل, خوف ««علي»» حياتهما معا.. بينما نجد ان غيرة الرجل ««علي»» زوجته هي(فزع) ««علي»» رجولته التي يراها تهتز!! غيرة المرأة اوسع مدي وأشمل.. لأنها تضم الحياة بأسرها مع رجل.. لكن غيرة الرجل ذاتية شخصية يشعر فيها بجروح في شخصه هو.. وغيرة المرأة ـ في معظمها ـ تدل ««علي»» الحب الشديد لمن تغار ««عليه,»» وغيرة الرجل ـ في بعضها ـ تدل ايضا ««علي»» الحب لزوجته, وتدل احيانا ««علي»» حبه لنفسه وانتفاضته لكرامته.
ولاعلاج للغيرة!! وإذ يؤسفني ذلك, فإني أبرر انعدام العلاج بأنها مرتبطة بمشاعر ملبية, وليس بتدبرات عقلية. وحين يحكم القلب ويسيطر ««علي»» الإنسان فليس هناك مجال لعقلانيات او منطقيات أو حدود وحسابات, يستوي في الغيرة, جهلاء ومثقفون. أغنياء وفقراء. رجال ونساء, فالغيرة اضطراب في القلب. إحساس بأن هناك تداخلا في المجال المغناطيسي.. يحدث(شوشرة) وارتباكا, في الاستماع النقي, الي إذاعة الحب!! وأنت لا تستطيع ان تضبط مؤشر الجهاز.. لانك أنت جهاز الاستقبال.. جهاز الراديو..!! وذبذبات التداخل الكهرومغناطيسي.. طائشا في الجو.. والرعب يصرخ في القلب.. ودموع العين تتدفق.. تنذر بهطول المطر..!!.