سبل الوقاية والعلاج:
أولاً: دور البيت:
البيت هو المحضن الأول للفتاة, فبين جنباته تتعلم كثيرًا من السلوكيات كما تتربى على كثير من الأخلاق، ولذا كانت مسؤوليته في تربية البنت على الحجاب أكثر من غيره، وكان على كل من تولى رعاية وحضانة البنت من أب وأم دور أعظم من غيرهم، ويمكن أن نوجز الدور الذي يقوم به البيت في الآتي:
1ـ غيرة الولي:
الغيرة من مكارم الأخلاق ولا يمتدح بالغيرة إلا كرام الرجال، يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم واصفًا سعد بن عبادة ـ رضي الله عنه ـ: 'إنه لغيور وأنا أغير منه والله أغير مني'، وتقول أسماء بنت أبي بكر ـ رضي الله عنهما ـ عن زوجها الزبير: 'فاستحيت أن أسير مع الرجال وذكرت الزبير وغيرته وكان أغير الناس'، الغيرة لها مظاهر ومن أعظم مظاهرها غيرة المحب على محبوبه أن يكون سلعة مشكوفة لكل أحد يقلب النظر إليه ولذا فهو يحجب محبوبه عن الآخرين لأنه يراه شيئًا كبيرًا أشبه بالجوهرة الثمينة واللؤلؤة الغالية التي يضن بها صاحبها على الناس فلا يراها أحد منهم. فالغيور من الأولياء لا يسمح لموليته من زوجة وابنه وأخت وغيرهن أن يخرجن كاشفات لوجوههن متبرجات بزينتهن ولو غار الأولياء ما سفرت النساء عن وجوههن وأظهرن محاسنهن ومفاتنهن؛ لأن الغيرة هي السياج المعنوي لحماية الحجاب، وقد ذكر الحافظ ابن كثير ـ رحمه الله ـ في حوادث سنة 286 'أن امرأة تقدمت إلى قاضي الري فادعت على زوجها بصداقها خمسمائة درهم فأنكر ذلك فجاءت ببينة تشهد لها به فقالوا: نريد أن تسفر لنا عن وجهها حتى نعلم أنها الزوجة أم لا فلما صمموا على ذلك قال الزوج: لا تفعلوا هي صادقة فيما تدعيه, فأقر بما ادعت ليصون زوجته عن النظر إلى وجهها, فقالت المرأة حين عرفت ذلك منه وإنه إنما أقر ليصون وجهها عن النظر: هو في حل من صداقي'. وهنا كلمة للأولياء من سماحة الشيخ عبد العزيز ابن باز ـ رحمه الله ـ: 'اتقوا الله أيها المسلمون وخذوا على أيدي نسائكم وامنعوهن مما حرم الله عليهن من السفور .. واعلموا أن السكوت عنهن مشاركة لهن في الإثم وتعرض لغضب الله وعموم عقابه عافانا الله وإياكم من شر ذلك'. ونذكر الأولياء بقوله صلى الله عليه وسلم: 'كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته'، وقوله صلى الله عليه وسلم: 'ما من عبد يسترعيه الله رعية فلم يحطها بنصحه إلا لم يجد رائحة الجنة'. يقول فضيلة الشيخ عبد الله بن جبرين: 'أنصح أولياء الأمور أن يغاروا على محارمهم وتحملهم الغيرة على أن يحجبوا مولياتهم ويمنعوهن من هذا اللباس الذي تفنن فيه الكثير من نساء المسلمين .. ونتج عن ذلك مفاسد وارتكاب فواحش .. وإن تساهل مع موليته ورخص لها في هذه الألبسة ومكنها من الخروج إلى الأسواق فإنه آثم قلبه, وقد يدخل فيمن يقر المنكر أو يسبب وجوده في محارمه'.
2ـ تحجب الأم:
فتاة تعيش في بيت كلما خرجت أمها منه أو دخلت إليه رأتها كاشفة لوجهها أو متساهلة في ذلك بإظهار بعضه ماذا يتوقع منها؟ سوف تكون مثل أمها إن لم تكن أسوأ؛ إذًا لابد أن تكون الأم قدوة حسنة لابنتها في الحجاب فتلبس الحجاب الشرعي الساتر الذي يستر وجهها ومحاسنها عن الرجال الأجانب عنها مستشعرة أنها مسؤولة عن هذه البنت وسوف تسأل عنها، لقوله صلى الله عليه وسلم: 'كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته .. والمرأة راعية في بيت زوجها ومسؤولة عن رعيتها'.
3ـ تربية البنت على الحجاب من خلال الآتي:
أـ أن تربى على أن قدوتها في ذلك أمهات المؤمنين وصحابيات أفضل القرون اللاتي امتثلن لشرع ربهن فسارعن بتغطية وجوههن، فعن عائشة ـ رضي الله عنها ـ قالت: 'يرحم الله نساء المهاجرات الأول لما أنزل الله: {وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ} [النور:31] شققن مروطهن فاختمرن بها'، قال الحافظ ابن حجر ـ رحمه الله ـ: 'فاختمرن أي غطين وجوههن' وعنها ـ رضي الله عنها ـ في قصة الإفك قالت: 'وكان صفوان رآني قبل الحجاب فاستيقظت باسترجاعه حين عرفني فخمرت وجهي بجلبابي' أي غطت وجهها.
ب ـ أن يغرس في نفس البنت منذ صغرها أن الحجاب عبادة وليس عادة، وأنه أمر رباني يجب الامتثال له، وأنه كغيره من العبادات لا مجال فيها لآراء أو اجتهادات بشرية، ومن لبست الحجاب على عبادة ليس عادة وأنه طاعة للمولى وقربة للرحمن فلن تخلعه بحال من الأحوال لا داخل البلاد ولا خارجها, فعندما سألت مسلمة عن حجابها هي وبناتها الخمس عندما تذهب لبلدها الولايات المتحدة الأمريكية أجابت: 'أحافظ أنا وبناتي على الحجاب الشرعي، الذي أحببناه، عباءة، وغطاء وجه، وجوربين، وقفازين، أليس سبحانه يرانا أينما كنا؟ أليس الحجاب عبادة؟'.
ج ـ أن يغرس في نفس البنت منذ صغرها حب الحجاب، وأن يوضح لها فوائده وحكمة الله في مشروعيته، وأنه شرع لستر الزينة والمفاتن عن الرجال وليس لإظهارها وفتنتهم بها، وأن يوضح لها أضرار التبرج ومخططات الأعداء في ذلك، وأن يبين لها أن المرأة المسلمة حين تتخلى عن حجابها فهي تتخلى عن حيائها.
د ـ أن تربي البنت منذ صغرها على الحياء، وأن يبين لها فوائد وثمار الحياء، وأن من أكبر العوامل المساعدة على الحياء لبس الحجاب الشرعي فتتعود على لبسه وهي صغيرة؛ لأنها إذا تعودت على ذلك من الصعب أن تنزعه أو تتساهل فيه مستقبلاً، أما إن تساهل الأهل في ذلك ولم يلبسوا البنت الحجاب بحجة أنها صغيرة أو ألبسوها حجاب زينة وتبرج فالغالب أنها تعتاد ذلك ويهون عليها الحجاب فلا تلبسه إذا هي كبرت أو تتهاون به.
و ـ الحزم مع البنت وعدم التهاون معها في لبس الحجاب؛ من قبل والدها ووالدتها على حد سواء في حالة رفضها لبس الحجاب لأنه عبادة يجب فعلها لا مجال فيها للرفض, فالبنت إذا رفضت فعل أمر دنيوي كرفض الذهاب للمدرسة فهل يتركها والدها أو والدتها؟ أم يكونا حازمين معها؟ فإذا حزما في أمور الدنيا فمن باب أولى أن يكونا حازمين في أمور الدين.
ز ـ أن يمنع دخول البيت كل وسيلة تهون من أمر الحجاب في عين البنت وتجعلها تستهين بها وعلى رأس تلك الوسائل القنوات الفضائية التي ما دخلت بيتًا إلا وسببت له أضرارًا متعددة لعل من أوضحها تساهل النساء بالحجاب واللباس وكذلك يمنع من دخول البيت المجلات الهابطة التي تنشر صور النساء الفاجرات السافرات والتي تجعل البنت من كثرة المشاهدة لها تتساهل بالحجاب.
ثانيًا: دور المدرسة:
المدرسة والبيت مكملان لبعض، فالمدرسة دورها كبير ولا يقل عن دور المنزل, فهي مكملة ومتممة له, والمنزل بدون تعاون المدرسة لا يستطيع أن يقوم بدوره على الوجه الأكمل, ويمكن للمدرسة أن تقوم بالخطوات التالية:
1ـ إلزام جميع الطالبات بالحجاب الشرعي من غطاء الوجه الساتر والعباءة المحتشمة التي تلبس على الرأس وعدم التساهل في هذا من قبل إدارة المدرسة.
2ـ أن تلتزم موظفات المدرسة من إداريات ومعلمات بالحجاب الشرعي حتى يكن قدوة حسنة للطالبات في ذلك.
3ـ تكريم الطالبات اللاتي يلبسن الحجاب الشرعي والإشادة بهن في الطابور الصباحي والإذاعة المدرسية، تقول أم إحدى الطالبات: 'لا أنسى دور مديرة المدرسة ومعلماتها عندما تم تكريم ابنتي في طابور الصباح على احتشامها ولبسها للعباءة على الرأس بين الطالبات مما كان له أبلغ الأثر عليها .. أسأل الله أن يثيب كل معلمة ومديرة حريصة على توجيه الطالبات لما ينفعهن في الدنيا والآخرة'.
4ـ استخدام أسلوب الترغيب لحث الطالبات على الالتزام بالحجاب الشرعي من خلال إقامة المحاضرات والندوات وتوزيع الأشرطة والكتيبات والنشرات التي تحض على لبس الحجاب وتبين فوائده ومحاسنه.
5ـ استخدام أسلوب الترهيب والتخويف من عذاب الله وعقابه لمن لا تلبس الحجاب الشرعي أو تتهاون به.
6ـ توعية الأمهات بأهمية الحجاب الشرعي من خلال مجالس الأمهات وعن طريق بعث النشرات والمطويات لهن في هذا الموضوع.
ثالثًا: واجب المرأة:
يقول فضيلة الشيخ عبد الله بن جبرين: 'نذكر الأخوات المسلمات أن يرجعن إلى ما كانت عليه المرأة المسلمة من عهد الصحابيات إلى العهد القريب بما عليهن أمهاتهن وجداتهن من ستر الوجه كاملاً وعدم إبداء شيء من الزينة'.
أختي المؤمنة: إن لم نلتزم نحن بالحجاب الشرعي في بلد التوحيد ومهبط الوحي ومهد الرسالة ومحط أنظار المسلمين في العالم فمن يلتزم به؟ وكيف يمكننا أن ندعو الآخرين إلى احترام ديننا والدخول فيه ونحن نخالف أوامره؟
أختاه: أما تعلمين أنك بتبرجك وسفورك تعرضين نفسك للفتن وتفتنين الآخرين؟! أيرضيك أن تكوني وسيلة من وسائل الشيطان؟ هل ترضين أن تكوني سببًا في وقوع مسلم في الحرام؟ أيسرك أن تكون قدوة في الشر أو ممن سن في الإسلام سنة سيئة فكان عليه وزرها ووزر من تبعه إلى يوم القيامة.
أختي الكريمة: 'أعلم أنك تريدين أن تظهري بالمظهر الحسن الجذاب أمام الناس وقد يكون ذلك عن حسن نية .. فإن كنت تريدين أن تكوني جميلة فاعلمي أن جمال المسلمة الحقيقي يكمن في حجابها وخلقها وحيائها وطهرها'.
أخيتي: إنك بالحجاب الشرعي باب موصد في وجه العدو, وسور عال أمام مكائده, فاحذري أختاه أن يؤتى الإسلام من قبلك وأنت لا تشعرين.
أختاه: ما الذي دفعك للخروج بهذا الحجاب السافر؟ هل هو تقليد الأخريات؟ أو التأثر بالصديقات أو مسايرة للركب وخجلاً من التخلف عنه؟ أيًا كان جوابك فهو دليل على ذوبان الشخصية وإلغاء العقل يقول الله عز وجل: {وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّه} [الأنعام:116] ويقول سبحانه: {وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاناً خَلِيلاً لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ} [الفرقان:27ـ29].
هذا والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين