تاريخ الإسكندرية
تعتبر
مدينتا الإسكندرية وأبو قير من المدن الساحلية التراثية وقد نسجت حولهما
الأساطير فيما روي عنهما المؤرخون والزوار من الإغريق والرومان والعرب .
وكانت المدينتان من المدن المتحفية التي كانت تضم آثار الغابرين الذين
عمروهما. وكانت هذه الآثار قائمة لكنها لم تتحد الزمن فوق الأرض. فأبوقير
القديمة طمرت وغاصت تحت مياه خليج أبو قير. والإسكندرية بقصورها الملكية
المنيفة ومعابدها مالت لتغوص تحت مياه الميناء الشرقي مابين قلعة قايتباي
ولسان السلسلة في أواخر القرن الثامن. والغريب أنها مالت في إتجاه واحد
كأن المدينتين كانتا ماثلتين فوق جرف أرضي إنهار بهما فجأة. فاختفت
المدينتان بعدما كانتا أثرا لكل عين منذ ألف عام. ويقال أن هذا بسبب
الزلال ويقال بسبب الفيضانات التي داهمت المدينتين وأغرقتهما بما فيها
منارة الإسكندرية الشهيرة. وطبعا كانت هذه الكارثة إبان العصر الإسلامي .
لهذا عند التنقيب تحت المياه وجدت عملات وآثار إسلامية وأعمدة وبقايا
معابد فرعونية وإغريقية ورومانية وإسلامية. وفي أبو قير تم العثور علي
مخلفات أسطول نابليون الذي أغرقه الإسطول الإنجليزي وهو قابع في الخليج
عام 1798. فعندما نتطلع إلي الميناء الشرقي أمام تمثال الجندي المجهول
حاليا بالمنشية نجد أن تحت المياه ترقد أطلال مدينة الإسكندرية الأسطورية.
لتمثل بانوراما حضارة قامت وغبرت وجعلت من هذه المدينة المتحفية أسطورة
حضارية وأثرية. ولغزا دفينا في أعماق البحر.
.........................
تأسيس المدينة
أسس الإسكندر الأكبر مدينة الإسكندرية 21 يناير 331 ق.م كمدينة يونانية.
مكتبة
الإسكندريةوكانت قد أصبحت في عام 250 ق.م. أكبر مدينة في حوض البحر الأبيض
المتوسط. وتقع مدينة الإسكندرية علي البحر فوق شريط ساحلي شمال غربي دلتا
النيل ووضع تخطيطها المهندس الإغريقي (دينوقراطيس) بتكليف من الإسكندر
لتقع بجوار قرية قديمة للصيادين كان يطلق عليها راكوتا (راقودة). والمدينة
قد حملت إسمه. وسرعان ما إكتسبت شهرتها بعدما أصبحت سريعا مركزا ثقافيا
وسياسيا وإقتصاديا ولاسيما عندما كانت عاصمة لحكم البطالمة في مصر وكان
بناء المدينة أيام الإسكندر الأكبر إمتدادا عمرانيا لمدن فرعونية كانت
قائمة وقتها ولها شهرتها الدينية والحضارية والتجارية. وكانت بداية بنائها
كضاحية لمدن هيركليون وكانوبس ومنتوس . وإسكندرية الإسكندر كانت تتسم في
مطلعها بالصبغة العسكرية كمدينة للجند الإغريق ثم تحولت أيام البطالمة
الإغريق إلي مدينة ملكية بحدائقها وأعمدتها الرخامية البيضاء وشوارعها
المتسعة وكانت تطل علي البحر وجنوب شرقي الميناء الشرقي الذي كان يطلق
عليه الميناء الكبير مقارنة بينه وبين مبناء هيراكليون عند أبوقير علي فم
أحد روافد النيل التي إندثرت وحالياإنحسر مصب النيل ليصبح علي بعد 20
كيلومترا من أبوقير عند رشيد. والمدينة الجديدة قد اكتسبت هذه الشهرة من
جامعتها العريقة ومجمعها العلمى "الموسيون" ومكتبتها التى تعد أول معهد
أبحاث حقيقى في التاريخ ومنارتها التي أصبحت أحد عجائب الدنيا السبع في
العالم القديم. فقد أخذ علماء الإسكندرية في الكشف عن طبيعة الكون وتوصلوا
إلى فهم الكثير من القوى الطبيعية. ودرسوا الفيزياء والفلك والجغرافيا
والهندسة والرياضيات والتاريخ الطبيعى والطب والفلسفة والادب. ومن بين
هؤلاء الأساطين إقليدس عالم الهندسة الذى تتلمذ على يديه أعظم الرياضيين
مثل أرشميدس وأبولونيوس وهيروفيلوس في علم الطب والتشريح وإراسيستراتوس في
علم الجراحة وجالينوس في الصيدلة وإريستاكوس في علم الفلك وإراتوستينس في
علم الجغرافيا وثيوفراستوس في علم النبات وكليماكوس وثيوكريتوس في الشعر
والأدب فيلون وأفلاطون في الفلسفة وعشرات غيرهم أثروا الفكر الإنساني
بالعالم القديم. فماهي قصة هذه المدينة الملكية القديمة؟. وما هو مصيرها؟.
وكيف إكتشفت مؤخرا وهي غارقة تحت مياه الميناء الشرقي؟. حيث شكلت بانوراما
مائية أدهشت الغواصين والباحثين بتماثيلها وقصورها وأعمدتها وكنوزها.
ولقد
عثر الباحثون عن آثار الإسكندرية القديمة وأبو قير تحت الماء علي أطلال
غارقة عمرها 2500 سنة لمدن فرعونية–إغريقية. ولاتعرف حتي الآن سوي من خلال
ورودها فيما رواه المؤرخون الرحالة أو ماجاء بالأساطير والملاحم اليونانية
القديمة. وكانت مدينتا هيراكليون ومنتيس القديمتين قرب مدينة الإسكندرية
القديمة وحاليا علي عمق 8 متر بخليج أبو قير. وكانت هيراكليون ميناء
تجاريا يطل علي فم فرع النيل الذي كان يطلق عليه فرع كانوبس. ومدينة منتيس
كانت مدينة دينية مقدسةحيث كان يقام بها عبادة إيزيس وسيرابيس. والمدينتان
غرقتا في مياه البحر الأبيض المتوسط علي عمق نتيجة الزلازل أو فيضان
النيل. وكان لهذا ميناء هيراكليون الفرعوني شهرته لمعابده وإزدهاره تجاريا
لأنه كان أهم الموانيءالتجارية الفرعونية علي البحر الأبيض المتوسط فلقد
إكتشفت البعثات الإستكشافية مواقع الثلاث مدن التراثية التي كانت قائمة
منذ القدم وهي هيراكليون وكانوبس ومينوتيس. فعثرت علي بيوت ومعابد وتماثيل
وأعمدة. فلأول مرة تجد البعثة الإستكشافية الفرنسية شواهد علي هذه المدن
التي كانت مشهورة بمعابدها التي ترجع للآلهة إيزيس وأوزوريس وسيرابيس مما
جعلها منطقة حج ومزارات مقدسة. و ظل مبناء هيراكليون مزدهرا تجاريا حتي
بني الإسكندر الأكبر مدينة الإسكندرية عام 331 ق.م. وكان علي العالم
الفرنسي فرانك جوديو. رئيس فريق البحث الدولي عن الآثار البحرية التفتيش
علي عمق 20- 30 قدما في هذه المنطقة لمدة عامين في الساحل الشمالي وكان
يعاونه فريق البحث والتنقيب في خليج أبو قير مستعينا بما دونه الأولون عن
هاتين المدينتين واستعان بأجهزة كشف وتصوير حديثة من بينها جهاز قياس قوة
المغناطيسية وجهاز يعمل بالرنين النووي لتصوير خريطة مغناطيسية للقاع
وجهاز التوقيع المساحي المنصل بالأقمار الصناعية لتحديد مواقع الآثاروموقع
كل قطعة. حيث إكتشفت أعمدة من الجرانيت تحت الرمال بالقاع. ولوحظ شرخ
كالهلال طوله 115 قدم وعرضه 50 قدما وكان مملوئا بالرمال. ويقول جوديو
معلقا علي مدينة هيراكليون: إن هذا أهم إكتشاف في تاريخ العثور علي آثار
بحرية. وكان الفريق قد إستعان بأحدث الأجهزة ومن بينها الموجات
المغناطيسية لرسم خريطة تحت المياه للموقع ما بين عامي 1999 و2000 .وتم في
مؤتمر صحفي في يونيو الماضي عرض بعض ماتم العثور عليه وتصويره أمام
الصحافة وتلفزيونات العالم. فلقد عثر الفريق علي رأس فرعون وتمثال نصفي
مجعد الشعر وله ذقن للإله سرابيس وتمثال طولي بلا رأس من الجرانيت للإلهة
ايزيس وهما من الآلهة الفرعونية القديمة. ويقول المؤرخون أن مدينتي مينتوس
المدينة الدينية وهيراكليون التجارية الغارقتين قد شيدتا إبان القرنين
السادس والسابع قبل الميلاد وقبل مجي الإسكندر لأكثر من قرنين. وستظلان
قابعتين تحت الماء ولن ينتشل منهما سوي الآثار التي يمكن رفعها ووضعها في
المتاحف. ولقد تحدثت كتابات الأقدمين عن هاتين المدينتين التراثيتين
بإستفاضة وعن أهمبة المنطقة التي كانت تضم موقعهما قبل أن تغمرهما مياه
البحر بسبب ما يقال بزلزال. فلقد ذكرهما المؤرخ الشهير هيرودوت عام 450
ق.م. فوصف معبد إيزيس الشهير بمنتيس. وقد جاء ذكر هذا الموقع في
التراجيديات والأساطير الإغريقية ولاسيما في قصة مينلاوس ملك إسبرطة الذي
توقف في مدينة هيراكليون أثناء عودته من طروادة ومعه الملكة هيلينا. وكانت
مدينة هيراكلون قد فقدت أهميتها الإقتصادية بعدما شيد الإسكندر مدينته
الإسكندرية لتكون عاصمة لمصر لقربها من أثينا اليونانية. وقد قسي عليها
الزمن فداهمها الزلزال في القرنين السابع والثامن بعد حوالي ألف عام من
إنشائهما. فمالت أعمدتها وجدران معابدها تجاه البحر حتي غمرتها المياه
لتصبح آثارها غارقة علي بعد 4 ميل من شاطيء خليج أبو قير وهذا ما يتضح من
خريطة المسح المغناطيسي للموقع الذي قام به باحثون من جامعة ستانفورد
الأمريكية. وغاصت مع المدينة المنكوبة مدينتا كانبوس ومينتوس. وكان
الغواصون قد إكتشفوا في الموقع تحت الماء عملات ذهبية وجواهر إسلامية
وبيزنطية. وفي دراسة أخري يقال أن المدينتين القديمتين هيراكليون ومينتوس
قد غرقتا بسبب الفيضان عندما فاضت مياهه عند مصب فم النيل حيث كانت
المدينتان وحللت المياه التربة وحولتها لعجينة سائلة تحتهما. فانزلفت
المدينتان لمياه الخليج بسبب شدة مياه الفيضان التي كانت تنحر التربة تحت
أساساتهما فجرفتهما. وهذا ما بينته تحليلات الرسوبيات في خليج أبو قير.
وهذه النظرية قد بينها العالم الجغرافي الأثري جيان ستانللي من مؤسسة
سميثسونيان مستبعدا مقولة إختفاء المدينتين بسبب الزلازل أو غمر مياه
الخليج. فعكس مايقال فقد توصل إلي أن النيل قد فاض وارتفع مترا عن المعتاد
مابين عامي 741 و742 م. وأيا كان فالمدينتان قد غرقتا بعد عام 730 م. لأن
العملة الإسلامية التي وجدت بين الأطلال الغارقة عليها نقشت هذه السنة.
والغريب لاتوجد كتابات تغطي هذه الكارثة ولم تتحدث عنها حتي بين المؤرخين
العرب. حقيقة سجلات الفيضان للنيل تبين فيضانا هائلا قد وقع بهاتين
السنتين. كما أن سجلات الزلازل لاتبين وقوعها في هذه الفترة.
تخطيط المدينة
كانت
مدينة الإسكندر قد قام بتخطيطها المعماري (دينوقراطيس). ولم يكن تخطيط
المدينة الجديدة مبدعا بل كان تخطيطا عمليا أشبه بالمدن الإغريقية
القديمة. حيث كان تخطيطها علي شكل شطرنج أو مايقال بالطراز الهيبودامي
عبارة عن شارعين رئيسيين ومتقاطعين بزاوية قائمة هما شارع كانوبك وشارع
سوما وعرض كل منهما 14 متر. ومنهما تتفرع شوارع جانبية متوازية عرضها 7
متر. وكان كانوبك (شارع فؤاد حاليا ) يربط بوابة القمر من الغرب وبوابة
الشمس من الشرق. وكان الشارع يمتد شرقا ليربط مدينة كانوبس (أبوقير). وكان
يتقاطع شارع سوما (النبي دانيال حاليا )مع شارع كانوبك ويمتد من الشمال
للجنوب .وتقاطعهما كان مركز مدينة الإسكندر حيث يقال أن الإسكندر الأكبر
قد دفن هناك بهذه المنطقة بعد عودة جثمانه من بابل. وكان يربط جزيرة فاروس
شمال شرق الميناء الكبير بالبر جسر يطلق عليه هيبتاستاديون(هيبتا :سبعة
.ستدات وحدة مقياس طولي ). وكان جسرا ضيقا نسبيا ثم تحول ليابسة ضمت
الجزيرة بالبر في منطقة المنشبةوالأنفوشي. وكان يفصل بين المينائين الشرقي
وكان يطلق عليه الميناء الكبير والغربي وكان يطلق عليه ميناء العود
الحميد. وكان عند ميناء طبيعي قرب قرية الصيادين براقودة بني الإسكندر
ميناء محصنا أشبه بالقلعة شرق الميناء الشرقي حاليا عند منطقة السلسلة.
وقد قام بتوصيل جزيرة فاروس المقام عليها قلعة قايتباي حاليا بالبر بجسر
هيبتاستديون وكان طوله 1300متر. وبهذا أقام مينائين لمدينته علاوة علي
الفنارليرشد السفن ليلا ونهارا من فوق جزيرة فاروس. وكان الحي الملكي قرب
الإبراهيمية ومصطفي كامل وشمالهما. وكان بالمدينة معبد السرابيوم لعبادة
الإله سيرابيس وهو بالمنطقة بين باب سدرة وكوم الشقافة وبجواره معبد الإله
مترا الإغريقي وقد تهدم المعبد أيام الرومان. وفوق تل سدرة يوجد عمود
السواري (بومبي) وتمثال فرعوني جرانيتي كبير وخلفه تماثيل الآلهات
لحمايته. ويسار العمود يوجد جعران عليه كتابة هيروغليفية وفوق التل يوجد
ثلاث تماثيل لأبو الهول اثنان إغريقيان يمثلان بطليموس السادس والثالث
فرعوني بلا رأس ويوجد أجزاء من تماثيل رمسيس الثاني وبسماتيك وقد جلبت من
هيليوبوليس . كما يوجد مقياس للنيل لقياس منسوب مياه ترعة المحمودية حاليا
و12 خزان لحفظ مياه الفيضان وحمامات أثرية. وفي تل كوم الدكة (الديماس أو
البانيوم ) كان المسرح المدرج الروماني وحوله حديقة وهو من المباني
الدائرية أشبه بطراز الكولوزيوم بروما وكانت مدرجاته من الرخام وكان له
سوران متداخلان علي هيئة حدوة الحصان من الحجر والطوب الأحمر. وكانت قوة
الإسكندرية قد إكتسبتها عام 320 ق.م عندما إنتقلت العاصمة من منف بالجيزة
للإسكندرية أيام حكم البطالمة الإغريق. وكانت تحتكر صناعة ورق البردي في
العالم وقتها وكانت تصدر الأدوية والعطور والمجوهرات. وظلت قوتها
الإقتصادية حتي العصر البيزنطي. وقد إنتعشت أيام حكم البطالمة الأوائل حتي
أصبحت أشهر وأكبر مدينة في العالم . وكانت شهرتها تعود للإنجازات العلمية
والفلسفية ومكتبتها الكبري (الموسينون) ومنارتها بجزيرة فاروس
والهيبتاستاديون ديك ومعبد سيرابيس. وكان القصر الملكي موئلا خصبا لفضائح
ملوك و الأسرة الحاكمة. لكن كان العصر الذهبي للمدينة البطليموسية إبان
حكم الثلاث ملوك الأول من البطالمة. وفي عام 1995 قام فريق فرنسي يعاونه
فريق مصري من الغواصين لمسح طوبوغرافية مساحة تقدر بفدانين ونصف تحت الماء
تجاه قلعة قايتباي فعثروا علي آلاف القطع الأثرية الغارقة تحت أعمدة
القلعة من بينها تيجان وقواعد وتماثيل ومخلفات فرعونية وإغريقية ورومانية
وصف من الكتل الجرانيتية الحمراء جلبت من أسوان. وكانت لسور جداري مقام
بشمال القلعة وتزن كل كتلة حجرمن 50 – 70 طن. ويقال أنها بقايا فنارة
الإسكندرية القديمة وكانت قد تهدمت نتيجة زلزال في القرن 14 وهناك تم
العثور علي تمثال للملك بطليموس الثاني. ويقال أن هذا التمثال كان مقاما
أمام منارة الإسكندرية التي دمرت عام 1341.