تتسم بعض الظواهر في مجتمعاتنا العربية بالطرافة ، أشهرها نظرات الشفقة للبنت غير المتزوجة ، والغريب أن هذه المواقف لا تتعرض لها من تعدت سن الزواج وفاتها القطار كما يقولون ، بل أنها تبدأ أحياناً مع مشارف سن العشرين ! ، ويعتبرها المجتمع "عانس" بما أنها بدون الرجل مهما كان عمرها ، وكلما تقدمت البنت في العمر زادت الضغوط وينظر لها الجميع على أنها فى "سن الضياع" وغير مرغوب فيها من الرجال.
تتجلي هذه المشاهد الحياتية الساخرة في المناسبات الاجتماعية بمختلف أشكالها وألوانها ، ويظهر ذلك خلال جمل المواساة في المناسبات : "يا عينى يا بنتى .. ربنا يسهلك ويرزقك يابن الحلال" ،"والله بدعيلك" مع قدر لا بأس منه من "البرطمة" والهمهمة غير المفهومة ، هذا الأمر يبدو للمدقق أنه فيروس انتشر وتحور قبل أنفلونزا الخنازير في المجتمعات العربية ، "لهنً" يحاول معرفة أسبابه خلال المواقف التى تتعرض لها البنات فى جميع أقطار الوطن العربي.
ليس عدلاً
|
| |
| | | |
ماليكا بويطان - 23عاماً - "تونس" تقول : حدثت معي بالفعل العديد من المواقف المشابهة خلال المناسبات والأفراح ولكن لا ألقي لها بالاً، كنت مخطوبة منذ 3 سنوات ولكن لم تنجح التجربة ، ومنذ ذلك الحين تنهال علي التعليقات من الجميع يحاولون خلالها طمأنتي علي مستقبلي مشفقين على حالي ، ويؤكدون لي أني سأتزوج قبل اختي الأصغر البالغة من العمر 20 عاماً والتي من المقرر أن تتزوج العام القادم ، ومن العبارات المزعجة: "لا تخافي أنتِ قوية ولا تقلقي بهذا الشأن" ، بل تعدي الأمر إلى معارضة بعض الأقارب فكرة زواج أختي الصغرى قبلي .. أعلم أن هذا ليس عدلاً.
وتضيف ماليكا : أحياناً يدفعوني للعودة إلى خطيبي السابق مرة أخري كتأمين لفكرة الارتباط ، وهذا الأمر مستحيلاً بالنسبة لي ، وفى أسوأ الظروف أفضل أن أعيش بدون رجل على أن أكون بصحبة الرجل الخطأ ، والله سبحانه وتعالي يكتب لكل امرأة من يستحقها في النهاية ، لذا لا أشعر بالقلق بشأن الزواج ، مؤمنة بقول عز وجل "الطيبون للطيبات".
لا أهتم
وتؤكد شهيناز الحمد -21 عاماً - "اليمن" أنها تتعرض لهذه المواقف ، وخاصة أن كل صديقاتها باختلاف أعمارهن متزوجات ، ولكنها لا تهتم بأسهم النظرات المليئة بالأسي والحزن على حالها وكأنهن يشاهدون لقطة من فيلم تراجيدي حزين.
وهنا تقول شهيناز : لا أملك في هذه اللحظة سوى الضحك عندما يتوجهوا إلى الله بالدعاء لفك الكرب عني لزواجي وكأني جالسة فوق رؤوسهن ، هذه النظرة لا تؤثر في على الإطلاق يكفي إني أعيش ملكة متوجه لدي أهلي وأنا مازلت صغيرة في العمر ولا أريد أن أتزوج أي شخص لمجرد الزواج ، وأنصح كل البنات بعدم الالتفات إلى كل هذا الهراء لأن "المكتوب على الجبين لازم تشوفوا العين" ، و" الثقل صنعة" في هذا الموضوع المصيري بالذات .
عواجيز الفرح
|
| |
| | | |
وتري شيماء خزندار - 29 عاماً - "مصر" أن هذه النظرات والتعليقات مؤلمة بالنسبة لأي بنت حتى وإن كانت صغيرة وفى مقتبل العمر مؤكدة أنها لم تفكر يوماً متى ومن تتزوج ولكن الأهم بالنسبة لها هو الارتباط بالشخص المناسب الذي يقدرها ويحترمها ، أما - "عواجيز الفرح" - كما أطلقت عليهم شيماء- المتربصين لها في المناسبات بكلماتهن الجارحة غير المحسوبة لا تجد رداً مناسباً عليهن سوي بالتجاهل ، وفى بعض الأحيان تتركهن مغادرة المكان لأنها تشعر أحياناً بألم نفسي وانكسار نتيجة إحساسهن بالشفقة عليها ، ولكن سرعان ما تعود إلى يقينها بأن الله سبحانه وتعالي سيرزقها بالإنسان الذي تتمناه ، وتوافقها الرأي منى راضي- مصر قائلة : الله وحده هو من يقرر نصيب كل بنت وعليها أن ترضي بالمكتوب ، بعد شهور قليلة سيكون عمري 26 سنة والحمد لله علي كل شي ، أنا مؤمنة بشئ واحد وهو أني لن أتزوج لسبب خوفي من العنوسة لأن هذا الأمر لا يضمن الراحة أو السعادة ، وده من خلال تجارب كثيرة انتهت بالفشل والانفصال.
الرجال أيضاً
|
| |
| | | |
مي كمال أبو رمضان - 25 سنة - السعودية تقول : هل معنى أن تجاوز البنت لعمر الـ25 أنها أصبحت عانس ؟ لا أعتقد ذلك ، بالعكس من الممكن أن يكون حالها أفضل من المتزوجة ، وكله سيان " لا المتزوجة مرتاحة ولا البنت مرتاحة" ، لكن الأخطر هو أن الرجال أيضاً أصبح لديهم تأخر فى سن الزواج ، إذا المشكلة الآن تخص الرجل والمرأة ، وعندما يقرر الرجل العربي الزواج يفضل الارتباط بفتاة صغيرة حتى وإن كان فارق السن كبير وغير مناسب.
وتتسائل مي : لا أعلم لماذا ننظر للأمور بهذه الطريقة ؟ قد يكون العمر الصغير مرتبط لديهم بالقدرة على الإنجاب ! لو قارنا هذه النظرة السائدة فى المجتمعات العربية باليابان وبعض دول شرق أسيا لوجدنا الأمر مختلف تماماً ، حيث يطلقون على البنت غير المتزوجة إذا تعدت عمر الـ 25 "gold girl" أو البنت الذهبية ، وهى البنت التي ترفض الزواج لعدم عثورها على الزوج المناسب ، ويطلقون عليها هذا الاسم كونها شخصية مستقلة عاملة ولا تعتمد على الرجل ، هذه الدول مختلفة الثقافة تري أن هذا الأمر ميزة وليس عيباً ، ولا ننسي أن هناك بعض البنات العربيات يفضلن البقاء فى بيت الأهل باختيارهن ولا يرغبن فى الزواج.
مازلت صغيرة
|
| |
| | | |
وتشكي ريتاج أحمد -26 عاماً من مصر - بمرارة قائلة : هذا الموقف حدث لي منذ أيام عند حضوري خطوبة أحد قريباتي أصغر منى سناً بأربع أعوام ، كل الحاضرين "استلموني" بالعبارات المعهودة بمنتهي الحرارة "يارب عقبالك" ، وبالرغم من أن المتقدمين للزواج كثيرين ، إلا أن هؤلاء لا يهمهم سوي أن تحمل البنت لقب متزوجة فقط ، ولا يهمهم اعتبارات أهم تفكر فيها كل فتاة ويجب أن تتوافر فى شريك حياتها ، أنا لا أشعر بالإحباط ، لكن هذه الكلمات ليس لها أي فائدة سوي أنها تشعر البنت بالضيق أحياناً ، لكنى تعودت على مثل هذه المواقف ولا أجد أنسب من الابتسامة الصفراء للتعبير عن امتناني وتقديري لأي دعوة أو همسة مليئة بالشفقة على حالي.
وأشارت رنا قطامي - 25 عاماً - الأردن إلى أن البنت فى الأردن تتعرض لهذا الأمر بصورة أكبر عندما يتعدي عمرها 28 عاماً ، وتبدأ التعليقات تنهال عليها من هنا وهناك وخاصة من السيدات المتقدمات بالعمر تحديداً ، والسبب أرجعته إلى اختلاف الأجيال قائلة : السبب بسيط وهو عدم اعتراف هؤلاء النسوة باختلاف الزمن ويعقدن المقارنات دائماً بين اليوم وأمس ، المرأة في السابق كانت تتزوج فى سن صغيرة جداً مقارنة بهذه الأيام ، وفى اعتقادهن أن المرأة إذا وصلت لهذا السن بدون زواج كارثة كبيرة ، لذا يتفوهن ببعض العبارات مثل "الله يستر عليكي" وغيرها ، لا شك أن تصرفات كهذه من الممكن أن تثير غضبي ولكن أتقبلها بطريقة طبيعية وعادية جداً.
رانيا عاطف - 23 عاماً - مصر بدأت حديثها بـ"أنا لسه صغيرة في عز شبابي" هكذا يكون ردي على هذه العبارات التي تطاردنى فى الأفراح ، ولا يسعني سوي أن أضحك على هذا الكلام ، ولكنى أحزن على صديقات لي أكبر مني بالسن امتنعن الآن عن الذهاب للأفراح بسبب كلام الناس الذي يسبب لهن جرح وألم نفسي.
كوني أفضل
|
| |
| | | |
وبعد هذا الكم من الفضول الاجتماعي واقتحام خصوصية الغير ، هل هذا السلوك والعبارات الشائعة تؤثر على نفسية البنت ، هذا السؤال أجابت عليه د. إيمان فوزي سعيد أستاذ الصحة النفسية بكلية تربية - جامعة عين شمس: لا شك أن هذه المشكلة تواجه البنت فى المجتمع بصفة عامة وتزداد فى الطبقات غير المتعلمة أو المستوي التعليمي المتوسط بصور أكبر ، هذه الصورة ترسخت لأن المجتمع يعتبر أن المرأة خلقت للزواج وهى المهمة الأساسية لها ، ولكن أعتقد أن هذه الأفكار بدأت تقل وخاصة فى المجتمعات المثقفة لأن المرأة أصبحت تلعب أدوار كثيرة فى المجتمع ، ولم تعد مسألة الزواج تهمها حتى لو تخطت الثلاثين.
لا شك أن هذه النظرات والتعليقات السخيفة من الممكن أن تؤثر على الفتاة بصورة سلبية الأمر الذي يؤدي بها أحياناً إلى الاكتئاب ، ويقل تقديرها لذاتها لشعورها بأنها إنسانه غير مرغوب فيها ، وقد يتطور الأمر إلى حب العزلة وعدم المشاركة في أي مناسبة اجتماعية على الإطلاق.
وتضيف د. إيمان فوزي : المرأة فى عصرنا الحالي مختلفة تماماً لا تنظر للزواج على أنه الفرصة الوحيدة لها ، و لا تتأثر بكونها غير متزوجة كونها اقتحمت مجال العمل ، وأصبح لديها ميول واهتمامات لتحقيق ذاتها سواء كان ذلك فى الدراسة أو العمل وتسعي دائماً وراء تحقيق أهدافها ولا تفكر فى أنها تأخرت فى العمر وفاتها القطار مثلما كانت تفكر نساء الزمن السابق.
و تنصح د. إيمان الفتاة بعدم ا لالتفات إلى مثل هذه التعليقات الهدامة ، أو البكاء على الأطلال ، بل بالتغلب على ذلك بالتركيز على تطوير نفسها فكلما تسلحت المرأة بالتعليم وطورته بالدراسات المختلفة زاد معه تقديرها لنفسها ، بل أن هذا الأمر يجعلها أيضاً تحسن من فرص عروض الزواج ويجعلها مطلباً من الشخصيات المرموقة والمناسبة.