وعد باللقاء

مررت عليه صباحاً.. وجدته
بمكانه المعتاد.. كان تلك المرة ينظر الىّ بشغف.. سألت نفسى بلهفة: لعلنى
أوحشته ولكن مهما وصلت درجة وحشته الىّ فإن شوقى له يغلبه بكثير.. رغم
أننى لم أره منذ عام كامل.. إلا إنه لم يغادر خيالى.. فكانت صورته دائماً
أمام عينى.. صوته الملائكى لا يفارق أذنى.. عطره الوردى لا يشعرنى بمن
حولى.. كنت أفكر فيه دائماً.. أتمنى رؤيته ولو من بعيد.. كلما إشتقت إليه
اخرج من حافظتى صورنا التى تجمعنا معاً.. تلك كانت وقت الغروب والأخرى
كانت تحت ضوء القمر.. وهذه أنا وهو.. وحدنا رغم وود الكثير من أصدقائنا
ولكننا لم نشعر بهم.. وكأننا فى عالم آخر.. أحسسنا أننا وحدنا فى هذا
الكون.. تملأنا الشمس بدفئها.. تحضنا بلهيبها.. أنها أجمل أيامى معه..
أسرنى بجماله منذ أن رأيته , رغم أننى لا أتذكر متى رأيته وأين وكيف..؟!
ولكن كل ما يهمنى أننى أحببته.. أحببته منذ علمت وجوده فى هذه الحياة..
بدأت أرى من حولى بعينيه.. أسمع من يحدثنى بأذنيه.. أمسك بأوراقى بيديه..
دائماً أتذكر حنانه.. أشعر بجمل إحساسه.. أفتقد طيبة قلبه.. كل شىء كان
يفكرنى بيه.. لم أصدق إنه مرعلىّ دون أن أراه.. دون أن أسمع صوته.. إنتظرت
شهوراً وأعددت الدقائق.. وبعد وقت طويل ....!! ها أنا أقف أمامه.. لا أصدق
رؤيته.. وقفت لأتمل وجهه.. فقد أشتقت لملامحه,إقتربت منه.. لم أشعر أننى
سحبت كرسياً وأجلس أمامه.. ظللت أنظر إليه كثيراً.. وظلت نظراته الثاقبة
تملأنى وتملأنى.. روت هذه النظرات كل ما بىّ من شوق وأغرقنى بالدفء.. فمر
الوقت دون أن يتحدث كلانا.. وكيف نتحدث وكل منا مشتاق لرؤية الآخر أكثر من
إشتياقنا للكلام.. ولكنى أدركت أنه على أحدنا أن يبدأ بالحديث فعلمت أن
علىّ أن أبحث عن كلمة لنخرج من هذا الصمت.. تلغبطت كلماتى فى البداية..
وهو لم يفهم منها شيئاً.. أنا نفسى لم أفهم ماذا قلت.. فحاولت مرة أخرى
ولكنى فشلت.. فقد سيطرت عيونى على عقلى.. وجعلتنى لاأستطيع التفكير إلا
فيه ولكننى لم أستسلم.. تركت عقلى فى سجنه وبحثت عن قلبى.. وطلبت منه أن
يتكلم بالنيابة عنى.. ولم يخزلنى وجعلنى أجمع كل طاقاتى لتخرج أول
كلماتى.. لم أصدق إننى قلتها.. خرجت منى ببساطة شديدة.. هو نفسه لم يصدق
إننى قلتها.. فقد كانت أول كلمة أنطق بها,(وحشتنى).. يالك من قلب..!! كيف
تجعلنى أبدأ كلامى بها.. نظر قلبى إلىّ قائلاً:أنه ليس كلامك ,بل كلامى
أنا.. فرغم إشتياقك إليه إلا أنا أفوقك بمراحل ومراحل.. فأنا من أحببته
منذ شاهدته عيونك.. أنا من يمنحك الشوق عندما أفكر فيه.. أنا من يجعلك على
جنح السعادة حين أتذكر أيامه.. أنا.. فقاطعت قلبى قائلاً: كفاك هذا..!!
أتشغلنى عنه وأنا أجلس بين يديه..!! أرجوك لقد إنتظرت هذه اللحظة كثيراً
فإبقى بجوارى ولا تتحدث أريد أن أسمعه هو.. هو فقط.. فسمعت أحلى الأصوات..
أٌقوى الكلمات.. أرق المعانى..ظل يتكلم ويتكلم.. يقترب بمده ويبتعد
بجزره.. تغرقنى أمواجه.. تسحرنى ألوانه.. جعلنى لا أشعر بمن حولنا..
فأحسست مرة أخرى أننا نجلس وحدنا فى هذا الكون.. لا يسعدنى غير النظر
إليه.. فكانت نظراته هى التى تذكرنى بأننى مازلت على قيد الحياة.. فلا أمل
من النظر إليه.. وسأظل أنظر إليه مادمت أمامه..وإذا بنظرانى تنقلنى إلى
عالم آخر لايوجد به أحد غير أنا وهو فقط.. وإذا بكلمات أحد أصدقائى يوقظنى
قائلاً: (كل ده سرحان فى البحر).. فإذا أرد عليه قائلاًأصله
وحشنى قوى..) ولكنى لم ألاحظ بأن كلماتى خرجت بعد تنهيدة طويلة.. مما جعل
أصحابى ينظرون إلىّ بتعجب قائلون: (طيب يالا عشان الوقت أتأخر.. عشان نلحق
نرجع مصر).. فهنا أيقنت أنى لابد أن أرحل.. أرحل وأتركه.. أتركه مرة أخرى
ولكننى هذه المرة قبل أن أتركه سلمت عليه.. وأعده أن ألقاه فى العام
المقبل.. حقاً إنه وعد باللقاء........

شكرا ميدو على القصة الجميلة دى تسلم ايدك